بحسب تقریر ایبنا و نقلا عن الجزیرة الإخباریة، وانعكس هذا الوضع على ثقة رجال الأعمال وأصحاب الشركات في قدرة الاقتصاد البريطاني على التعافي، مع التوقعات المتشائمة التي يصدرها البنك المركزي البريطاني بدخول البلاد في حالة ركود اقتصادي قد تستمر لنهاية سنة 2023.
ويشبه بعض الخبراء ما يعيشه الاقتصاد البريطاني حاليا بوضعه خلال الأزمة الاقتصادية لسنة 2009، خصوصا فيم يتعلق بصعوبة الحصول على القروض وحالات إفلاس الشركات التي وصلت مستوى قياسيا، حيث باتت الآلاف من الشركات عاجزة عن تحمل تكاليف الإنتاج فقررت إعلان إفلاسها.
إفلاس بالآلاف
أظهرت آخر إحصائيات المركز الوطني للإحصاء البريطاني (ONS)، أن مستوى إفلاس الشركات في بريطانيا قد بلغت مستوى قياسيا خلال الربع الثاني من سنة 2022 (من مارس/ آذار إلى يوليو/ تموز)، واقتربت من المستوى القياسي التي تم تحقيقه سنة 2009 وهي سنة الأزمة الاقتصادية العالمية.
وحسب المصدر نفسه فإن عدد الشركات المفلسة ما بين مارس/ آذار إلى يوليو/ تموز قد بلغ 5629، وهو رقم أقل بكثير من الرقم القياسي المسجل سنة 2008 مع بداية الأزمة الاقتصادية، حيث أفلست 7 آلاف شركة في 3 أشهر فقط، لولا أن التوقعات الاقتصادية تشير إلى إمكانية بلوغ الرقم نفسه خلال هذه السنة.
ومن المفارقات أنه في سنة 2020 التي كانت سنة جائحة كورونا وشهدت فيها البلاد إغلاقا شبه تام، لم تشهد البلاد إغلاقات كبيرة للشركات، وكان ذلك بفضل المساعدات التي قدمتها الحكومة للشركات الصغيرة والمتوسطة حفاظا على الوظائف.
وحسب استطلاع رأي في صفوف أصحاب الشركات أنجزته وكالة الإحصاء البريطانية، فإن واحدة من أصل كل 10 شركات، باتت تواجه خطر الإفلاس قبل نهاية هذه السنة، ويضيف الاستطلاع نفسه أن 22% من أصحاب الشركات قالوا إن أسعار الطاقة المرتفعة هي السبب الأساسي في مخاوفهم من الوقوع في فخ الإفلاس، خصوصا مع تأخر الحكومة البريطانية في تطبيق خطة وضع سقف لأسعار الطاقة إلى غاية مارس/ آذار سنة 2023.
هل أزمة الطاقة هي السبب؟
رغم تركيز عدد من أصحاب الشركات على أسعار الطاقة باعتبارها السبب الرئيسي في إفلاس عدد من الشركات، فإن مصطفى البازركان مدير مركز معلومات الطاقة في لندن، يرى أن الطاقة ليست العامل الرئيسي في الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه آلاف الشركات في بريطانيا.
وأكد الخبير الاقتصادي في حديثه مع الجزيرة نت، أن أزمة الطاقة في بريطانيا "هي أزمة تثير أكثر من سؤال خصوصا أن بريطانيا بلد منتج للغاز والنفط من بحر الشمال ولا تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي"، مضيفا أن إفلاس الشركات هو "نتيجة طبيعية لعدد من العوامل بداية من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ذلك أن البريكست أثر في نفسية المستثمرين وعدم حسم هذا الملف لحد الآن هز الثقة في مناخ الأعمال البريطاني".
وألقى المتحدث ذاته باللائمة على السياسات الاقتصادية لحزب المحافظين، "الحزب يعيش ما يشبه حربا أهلية وزراء ذاهبون وآخرون يأتون ولا وجود لأي رؤية وهذا يؤثر على السوق الاقتصادية، لأن رأس المال جبان ولا يحبذ لحظات انعدام الاستقرار لهذا يفضل أصحاب المشاريع إغلاق مشاريعهم قبل تكبد خسائر كبرى".
وتوقع مصطفى البازركان، أن عدد الشركات المفلسة سوف يرتفع خلال الأشهر المقبلة، "فحالة الركود الاقتصادي باتت شبه أكيدة وغياب أي رؤية اقتصادية لمساعدة الشركات الصغرى"، معربا عن استغرابه من إصرار حكومة المحافظين منح الشركات الكبرى امتيازات ضريبية جديدة.
ضربات متتالية
يفسر نهاد إسماعيل خبير اقتصاديات الطاقة، ارتفاع أعداد الشركات المفلسة في بريطانيا "بحالة الإنهاك التي أصابت ميزانية هذه الشركات بسبب ارتفاع فواتير الطاقة، ويكفي أن نعرف أن 200 شركة عاملة في مجال الطاقة أعلنت إفلاسها لأنها لم تعد تتحمل تكاليف الإنتاج".
وتحدث نهاد إسماعيل -في تصريح للجزيرة نت- عما يسميه "الضربات الهائلة التي تعرض لها الاقتصاد البريطاني"، بداية من البريكست، مرورا بجائحة كورونا، وحالة انعدام الاستقرار الحكومي، وصولا إلى الحرب الأوكرانية وتبعاتها على سلسلة التوريد والإنتاج، "مما جعل تكاليف الإنتاج وعمل الشركات جد مرتفعة إضافة لمشكل النقص الحاد في اليد العاملة الذي أدى لارتفاع أجور العمال في بعض المجالات".
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن إصرار البنك المركزي على الزيادة في سعر الفائدة مهما كلف الأمر لمحاربة التضخم، سوف "يؤدي إلى سقوط ضحايا كثر من الشركات الصغرى والمتوسطة التي تحتاج للقروض من أجل الاستمرار، إلا أنها ستصبح عاجزة عن الحصول على قروض بالنظر لأسعار الفائدة المرتفعة".